١٧ سبتمبر ٢٠٢٥
الأمم لا تُبنى بالمناهج وحدها، بل تُبنى أولًا على التربية، وعلى القيم التي تحمي هوية الفرد والمجتمع. فإذا ضعف الأساس التربوي في البيت، وتقاعس المعلم أو المعلمة في أداء رسالتهم، تسللت الأفكار الدخيلة إلى عقول الأبناء، وأصبح الجيل مهددًا بفقدان قيمه وانتمائه.
إن قيمنا العظمى التي لا حياد عنها هي: الله ثم الدين ثم الوطن. وهذه القيم لا تستقيم إلا ببرّ الوالدين، فهو أساس القوة وأصل البركة في الحياة. ومن عَقَّ والديه، فقد صلته بالرحمة، وسهل عليه أن يخرج عن طاعة ولاة أمره، ليصبح الخطر مضاعفًا: خطر على أسرته أولًا، ثم على وطنه بأكمله.
لقد بات واضحًا أن التهاون في التربية والتعليم أمر غير مقبول. فالطالب إذا فسد أفسد البيت، وإذا فسد البيت انهار المجتمع، وإذا انهار المجتمع ضعف الوطن. والمعلم والمعلمة ليسا موظفين عاديين، بل هما خط الدفاع الأول عن العقل والقيم. وكل تقاعس أو غياب بلا اعتذار، وكل إدخال لأفكار دخيلة كالأبراج والتوكيدات، ليس مجرد خطأ عابر، بل أجندة فكرية تهدد مستقبل الأبناء.
ومما يزيد خطورة الموقف أن بعض أصحاب الفكر المنحرف لا يكتفون بالتأثير داخل التعليم، بل يتجهون إلى التدريب المجتمعي عبر الرخص التدريبية، لينشروا هذه الأفكار بين الصغار والكبار تحت شعارات براقة لا تمت للقيم ولا للدين بصلة. وهنا لا بد من تشكيل لجان مختصة تراقب منح هذه الرخص، وتحاسب كل من يثبت ترويجه لأفكار دخيلة أو مضللة.
هذه الأفكار لا تتوقف عند حدود المدرسة، بل تتسلل من المدرس إلى المنزل، ومن المنزل إلى المجتمع، حتى تصل إلى المساجد التي يجتمع فيها المسلمون لأداء مناسكهم. والنتيجة: أذى مباشر للمصلين من خلال إشغالهم بأفكار دخيلة وأجندات غريبة، مثل مزاعم “تلاقي الأرواح”. ومن يعبث في مثل هذه المقدسات وحرمة المساجد إلا من يحمل عقلية إلحادية بحتة تسعى للتشويش على العبادة وصرف الناس عن الخشوع.
لم يعد الأمر مجرد تجاوز تربوي أو انحراف تدريبي، بل أصبح جريمة جنائية تمسّ الأمن الفكري والروحي للمجتمع. وهذا الخطر لا يواجه فردًا بعينه، بل يتحدى الجميع في جنايته، لأنه يستهدف الأسرة كلها، ويضرب المجتمع بأكمله، ويمسّ الدين والوطن معًا. ولهذا فإن المحاسبة الصارمة والعقوبات الرادعة ضرورة لحماية المجتمع من هذا العبث.
وعندما أصبحت القيم السامية، مثل الحب، تُقرأ وتُفسَّر بطرق دخيلة لا علاقة لها بالمعنى الإنساني ولا الروحي، ظهر معها مرض في القلب. فالحب الحقيقي قيمة فطرية نقية يزكيها الدين والبر بالوالدين وصلة الرحم، لكن حين يُشوه بمنطلقات فكرية منحرفة، يتحول إلى وسيلة هدم وتلويث للنفوس.
وهنا نتذكر قول الله تعالى: ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: 54]، وقوله جل شأنه: ﴿هُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: 35].
وهؤلاء الذين يصرّون على نشر الأفكار المنحرفة، هم تمامًا من ينطبق عليهم وصف “الخصم” الذين يجادلون بالباطل ليُطفئوا نور الحق، فلا هم من أهل العلم ولا من أهل الدين، بل من أرباب الفكر الإلحادي المتستر بالشعارات الكاذبة